"دجاج بالخوخ"...

"دجاج بالخوخ"... إنّه الترجمة الحرفية لعنوان الفيلم "Poulet aux Prunes" الذي شاهدته نهاية الأسبوع الفائت. 

عنوان يخال للمشاهد وكأنّ لا علاقة له بحبكة الفيلم. لكنّ هذا الطبق الإيراني المشهور يصبح في الفيلم وسيلة "الغفران" في علاقة بين زوجين لا يلتقيان إلاّ عبر انتظار الأوّل ولامبالاة الثاني...

 

"دجاج بالخوخ"... هو الطبق المفضّل للشخصية الأساسية في الفيلم: ناصر علي خان. وناصر علي هو عازف كمان مشهور تزّوج من امرأة لا يحبّها لينسى

امرأة أحبّها. عازف كمان علّمه ألم الحبّ يوماً كيف يلتقط "نفَسَ الحياة" فراح يعزفه مرارة خلاّقة على مسارح العالم. يعزفه علّه بالموسيقى يُحيي ذكرى... ذكرى راودت سنوات الفراق وإبتسامة... إبتسامة تلاشت عند مفترق طريق وقبلة... قبلة باتت لشدّة جمالها أشبه بحلم من أحلام اليقظة...
 

ناصر علي عاش ماضيه في حاضره حتّى ذلك اليوم المشؤوم الذي تحطّمت فيه الآمال عندما تحطّم الكمان عند أقدام الواقع. ومنذ اللحظة التي تحطّم فيها الكمان، تلاشت رغبة الحياة في قلب ناصر علي وأصبح يغازل ملاك الموت في لعبة قواعدها معروفة... من سينتصر؟ وبأية طريقة؟

رمزية الفيلم كلّها تقبع في هذين السؤالين: من سينتصر؟ وبأية طريقة؟
 

 

 

فيلم "دجاج بالخوخ" يضع المشاهد خلال ساعة ونصف، أمام تجارب إنسانية مؤلمة لشدّة واقعيتها. لكنّ الأسلوب الشاعري والشفّاف في التعاطي مع درامية القصة والمستوحى من عالم الألبومات المصّورة، حوّلا هذا الفيلم إلى قطعة فنية تجمع بين حتمية المصير وإمكانية الخيال، بين درامية اللحظة العاطفية وخفّة الرغبة المنشودة. ناصر علي بلغ من ذروة الحزن مكاناً أصبحت فيه رومانسية هذا الحزن الملاذ الوحيد الذي يعزيه...
 

لما كان فيلم "دجاج بالخوخ" ما هو عليه لولا بصمة "مرجان ساترابي" (Marjane Satrapi). هذه الكاتبة والمخرجة الإيرانية الشابة تعيش هي أيضاً في ذكرى بلد أبصرت النور فيه لكنّها ابتعدت عنه بسبب القمع ثمّ الثورة ومن ثمّ الحرب. ونجد في الفيلم أطياف هذا الماضي في كلمات ونظرات وملاحظات... نجد "مرجان ساترابي" التي لم تنسّ طفولتها والتي صبغت شخصية ناصر علي بقوّة إيحائية استمدتّها من الحنين إلى "إيران التي تريد" ومن التوق إلى "إيران التي تحبّ"...
 

فلا عجب أن تدور أحداث الفيلم في حقبة الخمسينيات. حقبة شهدت بزوغ الشيوعية التي دفعت بمرجان ساترابي إلى المنفى وما يحمله من مشاعر متناقضة وتجارب كثيفة. هذا الماضي يتماوج في الخلف، وراء قصة فيلم مهما كانت عناصرها من صنع الخيال تبقى قاعدتها مبنية على ذكريات طفلة لم تُنهِ فترة حدادها بعد على إيران الماضي. هذه العناصر كلّها تجعل من "دجاج بالخوخ" فيلماً يطوف بنا في بلد لطالما بهرنا بحكايات ألف ليلة وليلة. بدءاً من طهران إلى شيراز مروراً بأصفهان، كلّها مدن غذّت مخيلّة طفولتنا يوم كانت شهرذاد تقصّ على الملك شهريار حكايات جعلت من بلاد فارس منبع الخيال الذي سحر الغرب بمغامرات الشرق...
 

كان يا ما كان... في صالات العرض الفرنسية فيلم "دجاج بالخوخ" للكاتبة والمخرجة الإيرانية مرجان ساترابي...
 

Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
7 Comments
(للجنون فنون ) لاعجب ان الانسان يحن الى وطنه وأرضــــه ! فحتى الحيوانات والطيور تحن الى اوطانها ! ولاكن ربما هي لاتحن أصلا ولاكن المخرجـــــــة ( تريد ) الفلم أن يخرج كذلك . مثل فلم طحينة بالزبادي وفيلم سوبرمان محمود وفيلم قفا النعجة .
رائع و رومانسي بس ممكن ل recipe
للاسف لم ارى الفلم الذي يكون الموضوع حوله ولكن ما اخذني للتعليق وان لم يكن بأسم التعليق ولكن اقول هو سكني بالقرب من ايران ولنا صلة مع الجارة ايران من صلة قرابة زواج من والى واننا نرى ان ايران بنيت في الزمن الذي سبق الثورة وقد وضعت الاسس للبنى التحتية وما بعد الثورة ازداد الخناق الديني من دون اعتراف بالديانات الاخرى (هذا رأي الشخصي وان كنت مخطأ )لذلك اصبح الرفض النفس للثورة الاسلامية هذا بعد وفاة الخميني (قدس) لان ايران اصبحت مقسم بين الفئات الحاكمة لذلك الشوق للايام السالفة والحنين اليها يزداد يوما بعد اخر وهذا بدأ يظهر بعد رفع التقيد عن الفن الايراني كون الثورة اشترطت ان تكون الزوجة في التمثيل هي زوجة حقيقية في خارج التمثيل وغيرها من الامور والفن الايراني متطور من زمن لانه يمثل الحضارة الفارسية الاصيلة ... وهذا الاحساس بدأ يتولد في العراق وللاسباب ذاتها ... ومرة اخرى اقول عذرا لمن ينزعج من كلامي فهو رأيي الشخصي
جميل جداً ما تكتبينه. نحتاج إلى شيء من هذه الرومانسية والشاعرية في كتاباتك خاصة في هذه الأيام المليئة بالقتل والدّم والحروب والأزمات. نحتاج إلى حكايات ألف ليلة وليلة لكي نحلم وننسى الواقع الصعب. شكراً ميشا.
جميلة هي الأفلام التي تعيد بث حقائق قد يتناساها البعض، والأجمل عندما نتجاوز دور المتلقي السلبي إلى استمتاع علمي ومعرفي يدفعنا لنكون الفاعل لا المنفعل..هنا تكتمل الثقافة السينمائية فيلم شيق بحروفك المتألقة
Merci pour ce beau message. Cela prouve qu'une personne, au moins, partage ma vision des choses... Merci encore
tu écris très bien micha j'aime bp ton style, il est doux et pénètre suavement l'âme... sans la bousculer... ni la blesser

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.