تنبهوا أيها الفرنسيون...إنكم تأكلون لحوما "إسلامية"
كعادتها أطلت مارين لوبين زعيمة حزب "الجبهة الوطنية" (أقصى اليمين)، على الفرنسيين وهي تحمل "خبر ا" قالت إن من واجبها حمله إليهم. بالنسبة لمارين لوبين فإن جميع اللحوم الموزعة وأشدد على كلمة "الموزعة" في منطقة "إيل دو فرانس" وهي منطقة باريس وضواحيها، لحوم "حلال" أي أنها موجهة في الأصل للمسلمين. مارين لوبين اعتبرت أن ذلك لا يحترم الفرنسيين المسيحيين أو حتى الفرنسيين الملحدين الذين لا يرغبون، ربما، في استهلاك لحوم تتبع دينا ما. فيما يخص هذه النقطة الأخيرة فمارين لوبين محقة، إذ لا يجب إجبار من لا يرغب في تناول هذه اللحوم على ذلك، كما يجب إخبار المستهلك في جميع الحالات. لكن المشكلة تكمن في كون المعلومة التي قدمتها مارين لوبين خاطئة وهي استلهمتها من ريبورتاج بثته قناة "فرانس 2" يوم الخميس 16 فبراير/شباط، حول موضوع اللحوم الحلال في ففرنسا.
مارين لوبين معروفة بمعاداتها للمسلمين وحتى تحاملها عليهم أحيانا وهذا يظهر من خلال مواقفها حول العديد من القضايا التي تتعلق بمسلمي فرنسا كالصلاة في الشارع ومعارضة فتح محلات "كويك" (المنافس لـ"ماكدونالدز") "حلال" ، أي موجهة لزبائن مسلمين دون استثناء من أراد دخولها من غير المسلمين. بالإضافة إلى معارضتها لبناء مساجد بصوامع في فرنسا ومعارضة فكرة تخصيص حصص للنساء في المسابح العمومية ومعارضتها لارتداء النقاب ومعارضتها لاحتفال المسلمين بعيد الأضحى...وبطبيعة الحال، فتصريحات السيدة لوبين بالرغم من أنها خاطئة تهدف كما يعرف الجميع إلى تحريض غير المسلمين على المسلمين وتعزيز طرحها القائل بـ"أسلمة فرنسا" في السنوات الأخيرة واستقطاب أصوات جديدة، خاصة وأن فرنسا مقبلة على انتخابات رئاسية في أبريل/شباط ومايو/أيار المقبلين.
ومن سخرية الأقدار هو أن أحد أعضاء حزب مارين لوبين ويدعى بول لامواتيي، هو من أكبر مزودي المجازر الإسلامية باللحوم "الحلال" في شمال فرنسا. السيد لا مواتيي، عارض زعيمة حزبه، وقال إن بيع اللحوم الحلال في فرنسا لا علاقة له بـ "أسلمة" فرنسا، كما تروج له مارين لوبين.
قلت إن تصريحات لوبين خاطئة وذلك بسبب تكذيب كل مهنيي قطاع اللحوم في فرنسا لهذه التصريحات، واعتمادهم على معطيات رقمية تفيد غير ذلك. كما أن الصحافية التي تقدم البرنامج الذي بث خلاله الريبورتاج، هي بدورها قالت إن مارين لوبين حرفت المعلومات التي تضمنها الريبورتاج.
الصحيح هو أن اللحوم التي تذبح في منطقة "إيل دو فرانس" أغلبها يذبح على الطريقة الإسلامية "حلال" أو على طريقة اليهود أي "كاشير". لكن ما يذبح في منطقة "إيل دو فرانس" لا يشكل إلا 2.5 في المائة مما يستهلك في المنطقة ذاتها. وبالتالي فإن القول إن اللحوم "الموزعة" في هذه المنطقة "حلال" هو تحريف للأرقام. لأن منطقة إيل دو فرانس لا تعتمد إلا على اللحوم المذبوحة فيها فقط وإنما تستورد لحوما من مناطق أخرى داخل فرنسا وأيضا من خارج فرنسا. فنسبة كمية اللحوم المستهلكة سنويا في منطقة "إيل دو فرانس"، سنويا، تتراوح بين 150 ألف و200 ألف طن.
مارين لوبين معروفة أيضا بتحريف الحقائق، فقد سبق لها وأن قالت عن اللحوم "الحلال"، إنه لا يجب لمسها من غير المسلمين وإلا فإنها تصبح غير صالحة للاستهلاك . هذه المعلومة خاطئة، وتظهر جيدا تحريضها لشريحة من المجتمع الفرنسي على الأخرى. لكن المثير في هذه القضية هو أن السيدة لوبين تحدثت فقط عن اللحوم "الحلال" معتبرة أن طريقة تحضيرها لا تحترم الحيوانات لأنها تذبح حية وليس كما تفضل هي ومن يدافعون عن قضايا الحيوانات ومن بينهم الممثلة الفرنسية بريجيت باردو، أي صعقها قبل ذبحها، ومن ثم فهي لم تتحدث عن اللحوم "كاشير" الموجهة لليهود والتي تذبح أيضا. ربما لأنها لا تريد إثارة غضب الفرنسيين اليهود، خاصة وأن مواقف والدها الذي "ورثت عنه" زعامة الحزب بعد انتخابها، لم تكن يوما واضحة بخصوص الحرب العالمية الثانية والنازية وغرف الغاز التي نفى مرارا وجودها.
لكن مارين لوبين التي تبدو مهتمة بقضايا الحيوانات والرفق بهم نسيت أو تناست طريقة تحضير أطباق "سرطان البحر" الذي يتم رميه وهو مازال حيا في ماء تغلي . كما أنها لا تتحدث عن طريقة تحضير كبد البط الذي يأكل في أعياد الميلاد خاصة وأنه يباع كما أطباق سرطان البحر بأثمنة مرتفعة. أنا لا أعارض شخصيا طريقة تحضير هذه الأطباق، لكنني مندهشة من خطاب مارين لوبين المزدوج, عندما يتعلق الأمر بتشويه سمعة المسلمين نجدها مدافعة عن حقوق الحيوانات وعندما يتعلق الأمر بغيرهم نجدها تتجاهل الأمر.
لكن ما جعلني في حيرة من أمري في هذه القضية، هو أن قنوات فرنسية سبق وأن بثت ريبورتاجات تفيد بأن اللحوم "الحلال" في فرنسا ليست في حقيقة الأمر "حلالا" وأشارت إلى مدى "الغش" المنتشر" في قطاع اللحوم "الحلال"، لأن الدولة لا تتدخل لضمان ذلك بسبب مبدأ العلمانية وفصل السلط في فرنسا وهو ما فتح الباب أمام مؤسسات خاصة، تكاثرت كالفطر باتت تعطي تراخيص تؤكد أن اللحوم التي راقبتها "حلال" . مارين لوبين جاءت بعد ذلك وقالت إن اللحوم الموزعة أغلبها "حلال". لا نعرف من نصدق إذن. ولكن ولو صدقت مارين لوبين، فإن المشكلة تكمن في لفظ "حلال"، فالحيوانات المذبوحة على الطريقة الإسلامية، تستوجب ذبحها من طرف شخص تتوفر فيه بعض الشروط، في حين، أن هناك بعض الحيوانات تذبح بواسطة آلات وتحسب هي الأخرى على اللحوم "الحلال".
2 Comments
Post new comment